منذ فترة وليست بعيدة قام بعض الأصدقاء بافتتاح مقهى على ضفة الميناء الأخرى مقابل المدينة القديمة بطرابلس واختراوا أن يطلقوا عليه اسم بابور تيمنا بالبحر الذي أمامهم والصيادين في الأرجاء، فأحببت أن أفرد هذه التدوينة على أصل الكلمة واستخداماتها في المجتمع الليبي.
بابور يا مونامور
هكذا تغنى الراي الجزائري داعيا البابور ليخرجهم من الميزيريا، نعم البابور تلك السفينة البخارية التي يملكها الفرنجة وأستعملوها للوصول للضفاف الجنوبية للمتوسط المدعوة بالفرنسية: Buque de vapor وبالإيطالية: battello a vapore، المتكونة بشقيها البخار والسفينة، ليختصرها قاطنوا جنوب المتوسط كعادتهم في الجزء الثاني من التسمية ويبدلونا حرف (ڤ \ ڥ) الثقيل على ألسنتهم إلى باء كعادتهم، فتتحول السفينة البخارية إلى بابور، بابور حاف!
لكن الأمر لا ينتهي هنا، فسكان ليبيا على الحصر لم يكتفوا أن يكون البابور بابورا فقط، بل استعاروه للدلالة على عالم آخر بالمرة، مستعرين دلالات المسافة المسافة للتعبير عن الزمن، فيقول أحدهم لللآخر مستنكرا: “وين ليك بابور!” وإلا “معاش سمعنا بيه من بابور!” مستدلين بذلك على طول الفترة الزمنية من حين وقوع الحادثه إلى لحظة الحديث عنها، فما أصل هذه الإستعارة؟
بعد فترة من التأمل والقليل من البحث في المورث الليبي والمخيلة وصلت لنتيجة أجدها منطقية بعض الشيء، فالرابط الوحيد هنا بين طول الزمن والبابور هو طول المسافة التي يقطعها في رحلاته ومسار الذهاب والعودة، الرحلة التي قد تستغرق أشهرا وفي أحيان أخرى سنين، ليربطها العقل الجماعي بطول المدة، ليكون البابور اصطلاحا دليلا على بعد الزمن هنا لا المسافة!
على الهامش، إذ كنتم بمدينة طرابلس، فلا تنسوا زيارة قهوة الأصدقاء تلك، تجدونها على الكورنيش مقابل سور المدينة القديمة، لمزيد من المعلومات تجدونها هنا.